أذكر صغيري وملاكي عبود .. حين أصابه كسر خطير في مفصل يديه،كيف انهرت باكية عاجزة عن تحمل ما حدث.. وكيف كان قوياً لم تنزل دمعته ولم يسمع صوته وقد نظر إلي بحزن كبير .. ليس لإصابته بل لحزني عليه.. صمد على إصابته ولم يصمد على حزني وقال لي يومها "ماما تعيطيش أنا خايف عليكي" يا

هاد المشهد مش عادي .. ولا يوم بنتعود.. والله ما نسامح .. والله ربنا كبير وحياخد حقنا على كل ذرة قهر عشناها.. يا منتقم..

العودة للمدرسة! هذه الفرحة، وهذه التحضيرات، وهذه الراحة، وخلف هذه الصور الكثير الكثير من المشاعر التي عشتها برفقة آية وعبود. قتلت إسرائيل كل شيء، وحرمتني قمريّ آية وعبود. تمرّ عليّ هذه الأيام كالسم.. أتذكر فرحتنا قبل عام.. أنا أم!، كيف انقلبت فرحتي إلى حسرة في القلب لا تشفى..

يسرا.. كتب والدها الصديق محمد منتصر حلاسة: "هذه الفتاة تسلب لُبي، ويرن صوتها بمسمعي، وتفاصيل الذكريات تخط في القلب اخاديداً من ألم، كانت رحمها الله تصطنع الأحداث والقصص لتأتي إليَّ وتحادثني بالأوقات الطوال، لا تغيب عن البيت إلى بعناق واذا عادت فتحت ذراعيها لعناق أجمل. يسرا

يقتلون أطفالنا ويرجعون إلى بيوتهم ليحتضنوا أطفالهم. لن ندعو على أطفالكم بأن يُقتَلوا، فهذا ليس من إنسانيتنا ولا من ديننا.. لكننا ندعو الله أن يذيقكم ذات حرقتنا بطريقة ما، وبعدها تلقون نهايتكم بأفظع طريقة، كما قتلتم أطفالنا…

ينمو الثأر في دموع أطفالنا، ويكبر فيهم كما يكبر فينا.. لأجل هذه الدموع، انتقم يا رب..

تمر الليالي والأيام ثقيلة لا تستطيع فيها الخلود للنوم، لكن هذا المشهد، للطفلة وهي تضع يدها في أذنيها تحت الغطاء قبل أن تُقتل، لا أظن أني استطيع منعه عن ملاحقي. انتقامك يا رب، عدلك يا رب يا رب وكفي

كل شيء بات مأتماً، لا معنى للكلمات، والدموع بلا جدوى، فقط عجزٌ بلا خلاص..

بينما يحتفي الأطفال وذووهم حول العالم بعودتهم إلى المدارس، يبقى مئات آلاف الطلاب في قطاع #غزة بعيدين عن مقاعدهم الدراسية للعام الثاني على التوالي، بينما لن تتمكن "آية أبو عون" وشقيقها، إلى جانب آلاف الأطفال الفلسطينيين من استكمال تعليمهم أبدًا..

كأننا كنا نسترق من الزمان لحظات تجمعنا بفرحة ليلاً ونهاراً، وكأننا كنا نشعر أن موعد الرحيل قد اقترب. أحسبكم الآن تنعمون بأفراح لا تنتهي، وبجمعة تنقص قلبي الذي اشتاق لكم. أحسبكم الآن في جنة عدن، في أمان، بلا خوف ولا قتل. أبي وأمي، إخوتي وسام، ماريا، حمود، عبود، .. ياسمين وأسومي،

اختلطت جثامين أطهر أهل الأرض برمال أطهر أرض، وتساوت جموع أحقر كيان بأحقر أمم خذلتنا. كلاهما عدونا إلى يوم الدين.. يا منتقم..

شيماء .. ماريا .. ياسمين.. متل هالأيام كان الأصل نفرح بتخرجكم .. ونكون فخورين بتفوقكم أكتر وأكتر .. ما أحلاكم يا حبيباتي .. الجنة بتلبقلكم .. بيعز علينا فراقكم وبس .. لأنه زي ما حكت ماريا “ ربنا يرزقنا الي بدنا اياه، حتى لو بالجنة عادي “ في الجنة يا صحباتي وخواتي وحبيبات قلبي

كم فقدنا من أحبة في هذه الحرب! كم فُجعنا بوجوه نحبها أحالتها آلة الحرب الإسرائيلية رماداً! يطمئننا ويؤنسنا أن لو اطلعنا على ما هم فيه من الفرح لأسعدنا أنهم تركوا هذه الدار الفانية النكدة إلى دار السرور والحبور .. قد قرأنا قول الله وآمنا به: (فرحين بما آتاهم الله من فضله)..

والحقيقة أن كل محاولة للعيش دون هذين الوجهين ما هي إلا عبث.. 332 يوم يا ماما ..